الجواب باسم ملهم الصواب
(النُّذور): جمع نذر، قيل: هو وعدٌ بطاعة الله على شرطٍ؛ يعني: إيجاب طاعةٍ على نفسه على شرطٍ، كما لو قال: إن شفى الله مريضي، فله عليَّ إعتاقُ رقبة.. . قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: "لا تَنْذُروا فإنَّ النَّذرَ لا يُغْني من القَدَرِ شيئًا، وإنما يُستَخرَجُ بهِ مِن البخيلِ".
قوله: "لا تنذروا؛ فإن النذرَ لا يُغني من القَدَر شيئًا"، أراد بهذا النهي: تأكيدًا لأمر النذر، وتحذيرًا عن التهاون به بعد لزومه؛ لأنه لو لم يكن كذلك، لَمَا وجبَ على الناذرِ الوفاءُ بنذره؛ لأنه إذا كان مَنهيًّا عنه، يكون الإتيانُ به معصيةً، وتركُ المعصية واجبٌ، وكلُّ ما كان تركُه واجبًا، كيف يلزمُ الوفاءُ به؟! وإذا تقرَّر هذا فوجهُ الحديث: أنَّ النذرَ لا يردُّ القضاءَ السماويَّ، ولا يجلب لصاحبه نفعًا، ولا يدفعُ عنه ضرًا؛ بل معناه: أنه لا تنذروا على ظنِّ أنكم تنتفعون بشيءٍ لم يُقدِّرْه الله سبحانه، أو تدفعون عن أنفسكم به القضاءَ الأزليَّ الذي جرى عليكم، فإذا نذرتُم فأتوا بالمنذور؛ فإنَّ الذي نذرتُمُوه، لزم عليكم الوفاءُ به، هذا ما أورده الخطَّابي – رحمه الله – في "معالمه". قوله: "وإنما يُستخرَجُ به من البخيل"، (يُستخرَج) معناه: يخرج، الضمير في (به) يعود إلى النذر؛ يعني: يُخرَج المالُ من البخيل بواسطة النذر؛ يعني: مَن لم يكن فيه بخلٌ، فهو يعطي باختياره من غير واسطة النذر، ومَن كان فيه بخلٌ، فلا يعطي إلا إذا وجبَ عليه الإعطاءُ بالنذر. وفيه دليلٌ على وجوب الوفاء بالنذر إذا لم يكن معصيةً، فإذا امتنعَ عن الوفاء بالنذر، ألزمَه الحاكمُ بالوفاء.
فعلم أنهم أرادوا باشتراط كونه ليس بمعصية كون المعصية باعتبار نفسه حتى لا ينفك شيء من أفراد الجنس عنها وحينئذ لا يلزم لكنه ينعقد للكفارة حيث تعذر عليه الفعل ولهذا قالوا لو أضاف النذر إلى سائر المعاصي كقوله لله علي أن أقتل فلانا كان يمينا ولزمته الكفارة بالحنث فلو فعل نفس المنذور عصى وانحل النذر كالحلف بالمعصية ينعقد للكفارة (البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري، ٢/ ٣١٧)
والله أعلم بالصواب
2090 :