الجواب باسم ملهم الصواب
(الف) أن يكون الحديث متصلًا، وأن يكون رواته عدولًا، وأن يخلو الحديث من العلة، أي: ليس فيه علة قادحة، ولا شاذًا بأن يخالف راويه الثقة من هو أوثق منه، أو أكثر عددًا منه وأشد ضبطًا، وقد أوضح البخاري منهجه في الاتصال بدقة متناهية لا نجدها عند غيره، إذ اشترط في المعنعن شرطين: وهما اللقاء والمعاصرة وفي ذلك يقول: "الاتصال عندهم أن يعبر كل من الرواة في روايته عن شيخه، بصيغة صريحة في السماع منه، كسمعت وحدثني وأخبرني، أو ظاهرة كعن وأن فلانًا قال"، أي أن يكون الراوي قد ثبت له لقاء من حدث عنه ولو مرة واحدة، مع اشتراط أن يكون ثقة، فإذا ثبت عنه ذلك حملت عنه عنعنته علی السماع، وعلة ذلك أنه لم يثبت لقاؤه له، وإنما كان معاصرًا له، احتمل أن تكون روايته عن طريق الإرسال، وأما إذا حدث عن شيخه بما لم يسمعه منه كان مدلسًا، وبذلك كان شرط البخاري في الاتصال أقوی وأتقن عنده من غيره، وخاصة مسلم وابن حنبل وغيرهما الذين اكتفوا بالمعاصرة دون اللقاء. (التوضيح لشرح الجامع الصحيح، مقدمة التحقيق، منهج البخاري في رواية الصحيح وشروطه فيه)
(ب) ادعی الحاكم في "مدخله إلی الإكليل" أن شرط البخاري ومسلم في صحيحيهما أن لا يذكرا إلا ما رواه صحابي مشهور عن النبي – صلی الله عليه وسلم -، له راويان ثقتان فأكثر، ثم يرويه عنه تابعي مشهور بالرواية عن الصحابة له أيضًا راويان ثقتان فأكثر، ثم يرويه عنه مِن أتباع الأتباع الحافظ المتقن المشهور عَلَی ذَلِكَ الشرط. ثم كذلك قَالَ: والأحاديث المروية بهذِه الشريطة لا يبلغ عدها عشرة آلاف حديث وهذا الشرط الذي ذكره عملهما يخالفه، فقد أخرجا في "الصحيحين" حديث عمر بن الخطاب: "إنما الأعمال بالنيات" ولا يصح إلا فردا كما سيأتي… والظاهر أن شرطهما اتصال الإسناد بنقل الثقة عن الثقة من مبتداه إلی منتهاه، من غير شذوذ ولا علة. (التوضيح لشرح الجامع الصحيح، مقدمة المصنف)
(ج) قوله: (عن سعيد بن المسيب عن أبيه)، وسعيد هذا لا يشهد لصحابته غير ابنه، ومع ذلك هو من رواة البخاري، فما اشتهر أن شرط البخاري أنه لا يخرج في صحيحه إلا ما يرويه اثنان عن اثنين، بعيد عن الصواب. (فيض الباری، کتاب المغازی، باب غزوة الحديبية)
(د) ثم إن هذا الحديث متفق علی صحته أخرجه الأئمة المشهورون إلا الموطأ ووهم من زعم أنه في الموطأ مغترا بتخريج الشيخين له والنسائي من طريق مالك وقال أبو جعفر الطبري قد يكون هذا الحديث علی طريقة بعض الناس مردودا لكونه فردا لأنه لا يروی عن عمر إلا من رواية علقمة ولا عن علقمة إلا من رواية محمد بن إبراهيم ولا عن محمد بن إبراهيم إلا من رواية يحيی بن سعيد وهو كما قال فإنه إنما اشتهر عن يحيی بن سعيد وتفرد به من فوقه وبذلك جزم الترمذي والنسائي والبزار وبن السكن وحمزة بن محمد الكناني وأطلق الخطابي نفي الخلاف بين أهل الحديث في أنه لا يعرف إلا بهذا الإسناد وهو كما قال لكن بقيدين أحدهما الصحة لأنه ورد من طرق معلولة ذكرها الدارقطني وأبو القاسم بن منده وغيرهما ثانيهما السياق لأنه ورد في معناه عدة أحاديث صحت في مطلق تتبعت طرق غيره فزادت علی ما نقل عمن تقدم كما سيأتي مثال لذلك في الكلام علی حديث بن عمر في غسل الجمعة إن شاء الله تعالی. (فتح الباري، اول الكتاب)
والله أعلم بالصواب
4132 :